لا يخفى على أحد أن إسم CD Projekt Red أصبح أيقونة في صناعة ألعاب تقمص الأدوار الغربية ( Western RPG)، حيث قدم لنا في الجيل السابع جزئين من سلسلة The Witcher ذائعة الصيت، وعاد في الجيل الثامن ليضع رأس الهرم بإحدى أفضل ألعاب الجيل الماضي The Witcher 3: Wild Hunt. حسناً، لعبتنا اليوم هي أول خطوة للأستديو الصاعد خارج أسوار عالم The Witcher، بل أنها تقدم صنف وعصر مختلفين جذرياً، فالأولى لعبة عصور وسطى وقتال بالأسلحة الحادة من سيوف وفؤوس وما إلى ذلك من المنظور الثالث، والثانية لعبة تصويب من المنظور الأول في المستقبل القريب بلمسة خيال علمي (Cyberpunk) حيث التكنولوجيا أصبحت جزءاً من البشر حرفياً. فهل ينجح CD Projekt Red في تقديم اللعبة؟ أم أن The Witcher ستكون ذروته المبكرة؟ هذا ما سنعرفه في مراجعتنا اليوم.
القصة
في عام 2077 تغير العالم عما يبدو عليه في يومنا الحاضر، فقبل حوالي 6 عقود من هذا التاريخ، حدثت ثورة في عالم التكنولوجيا على يد مؤسسة Arasaka وغيرها من شركات ومؤسسات التكنولوجيا المتطورة، التي حلَّقت في أبعاد جديدة، ومنحت البشرية قدرات برمجية، فأصبحو أشبه بحواسيب ذات أفئدة، أرواح، وإدراك وحرية تفكير. في الواقع، Arasaka مؤخراً بدأت حتى بمشروع جديد يمنح الخلود ولكن بفكرة مختلفة، حيث أصبح بالإمكان نسخ البشر في رقاقات عند تفعيلها في أجساد جديدة، يرجع الميت إلى الحياة رقميا داخل جسد مضيف! في الواقع هذا أكثر حتى مما تحتاج أن تعرفه قبل بدئك لعب Cyberpunk 2077 ولكن لا تقلق لم أقم بحرق أي شيء حتى اللحظة ولن أفعل. تبدأ أحداث لعبتنا وشخصيتك فيها V الذي هو إما موظف في مؤسسة أراساكا، أو “ولد شارع” أو أحد أبناء العشائر التي تعيش خارج نظام الولايات المتحدة الجديدة، والتي هي في حال أشبه لما كانت عليه الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر، حيث هناك المدن التي تخضع للحكومة الجديدة المدارة من مؤسسات التقنيات الحديثة، وهناك المتمسكون بالحرية، الرافضين لمبادئ الحياة الجديدة التي تحاول المؤسسات فرضها، والتي تخولها بالسيطرة الجزئية على الجميع، يرى الكثيرون أن هذا النظام الجديد تقييض للحريات، وهؤلاء يسمون Nomads.
V يشق طريقه في مدينة Night City، مهد الحضارة الجديدة والثورة التكنولوجية، في عالم تكسوه ملامح الغابة حيث القوي يأكل الضعيف، عالم مليئ بالتلوث والتخلف، على عكس ما يُعتقد أن تأتي به الحضارة التكنولوجية المستقبلية. في الحقيقة، لعل الحبكة والحقبة المختارة لقصة اللعبة من أعظم مميزاتها، حيث تم تصوير المستقبل القريب بشكل قابل للتصور، لم يسرح الكاتب كثيراً في تخيل المستقبل الرقمي، بل إنه أعطى الخيال القصصي شيئاً من الواقعية والقدرة على التصديق بأن كثير من هذا ممكن فعلاً في المستقبل (بإستثناء بعض الجزئيات)، والجميل في الأمر أنه على عكس ما يعتقد الإنسان اليوم عند التفكير في المستقبل الرقمي والتكنولوجي، فهو ليس مُسِراً إطلاقاً! كلا! ليس لأن الروبوتات سيقومون بثورة على البشر، بل لأن.. لا، سأترك لكم اكتشاف سبب هذا الأمر الذي ترسمه لك اللعبة منذ أول 15 دقيقة من اللعب، جل ما أعنيه أن خيال الكاتب لهذه الحقبة كان مميز، وربما لم نرى له مثيلاً قط في عالم الألعاب من قبل، ما يجعل قصتنا تتسم بالتميز الإيجابي أولاً والإبتكار وعدم التكرار.
أما عن الأحداث وسردها والخلفية القصصية، فللأسف نقف هنا في أول “عتبة” مررت بها في تجربتي.. اللعبة تضعك وسط الأحداث مباشرة، دون أي تقديم وتمهيد يشرح لك كيف تسير الأحداث في العالم، ولماذا كل هذا؟.. في الواقع، أنا تُهت بالكامل في أول 5 ساعات لي باللعبة ولم أُدرك شيئاً مما يحدث حولي، كثيرٌ من المعلومات التي ترمى عليك توالياً كأن Cyberpunk 2077 تتمة قصصية للعبة قبلها، حيث الأساسيات يجب أن يكون اللاعب على دراية وعلم بها، كان هذا سيكون مقبولاً لو أنني سأجد Lore اللعبة مكتوباً نصياً فيها، كما نجده في ألعاب Dragon Age حيث أن فيها كُتب وفصول كثيرة وطويلة مكتوب فيها تاريخ العالم وشرح لأحداث قديمة وسياسات وما ترتب عليها من أحداث نعاصرها، ولكن على العكس تماماً فأنت لن تجد تقريباً أي نصوص تشرح وتوضح أي شيء! سوى بعض الأقراص الصلبة المليئة بقصص وأحداث لا تمثل أي أهمية للاعب، ورسائل في الحواسيب التي تَلِجُ إليها في بعض المهام.. رسائل أغلبها “إعلانات”، في إشارة “مستهلكة” داخل اللعبة بكون الإعلانات الإباحية لم تقِل سوءاً وازعاجاً بعد كل هذه السنين.. بصراحة، أنا أنهيت اللعبة ولا زلت أحمل أسئلة جوهرية حول أهداف المؤسسات والحكومة والكثير من التفاصيل السياسية التي مررنا عليها مرور الكرام رغم أهميتها في القصة والأحداث.
أما من ناحية الأحداث القصصية في حد ذاتها، فهي ملحمية ومستمرة على نمط مشوق من بداية اللعبة حتى نهايتها بأسلوب يجعلك لن تمل من المهام الرئيسية وتتطلع وتتلهف لمعرفة ما سيحدث في كل مهمة، وفي ذات السياق، فاللعبة لا تجبرك على لعب المهام الجانبية بل وبإمكانك إنهاء اللعبة دون أداء أي مهمة جانبية تقريباً، ربما ستجد صعوبة في بعض المهام إن كنت تلعب على صعوبة Hard، ولكنك لن تواجه عقبات واضحة وصريحة في ال Level والعتاد. والمهام الجانبية في ممتازة في مجملها تجعلك تتعمق في عالم Night City وما يدور في هذه المدينة من مصائب وصفقات قذرة وغسيل أدمغة وقتل واغتيالات تتورط فيها الجهات القانونية، حتى أن بعض المهام جنونية بشكل ممتع وبعضها مضحك وغريب! كذلك بعضها الآخر يعطي جزءاً من خلفية العالم والقصة (ال Lore) الذي أحبطني عدم الالتفات له إلا بشكل طفيف في لعبة بقصة جديدة كلياً، في عالم وحقبة ليست متعارف عليها.
قصة اللعبة تحمل 3 أهداف رئيسية: أولاها تصوير العالم الحديث القبيح على أنه لم يجلب سوى مزيداً من التعاسة، مزيداً من التسلط والسيطرة على حرية الإرادة، مزيداً من الفوضى والتلوث البيئي وأخيراً، مزيداً من الجرائم وأسبابها. ثانيها تصوّر مدى كون التكنولوجيا الحديثة هذه سلاح لا أكثر تستعمله المؤسسات للسيطرة على الحكومات وتوسيع النفوذ، ثالثها والأخيرة تسليط الضوء على المرتزقة لإيضاح كيف تجري الأمور في الشارع حيث تسيطر العصابات ويسعى المرتزقة لكسب رزقهم إما بتنفيذ المهام الشريفة كالإنقاذ، أو بالسرقة والقتل. ربما ستجدون أن هذا ليس بالبناء المتين لقصة عظيمة، ولكن ما جعلها ممتازة هو حداثة الفكرة بالكامل وتميزها عما لعبنا من قبل، بسرد قصصي متسارع ومشوق مناسب لحياة المرتزق المليئة بالمخاطر. فالقصة ستتمحور حول V الشاب الذي يسلك في حياته مختلف السبل للعيش ويجد نفسه دائماً أمام المتاعب والفضائع كأن الحياة الكريمة غير ممكنة في هذا العصر، ويجد نفسه أمام سؤال وتحدٍ مفصلي في حياته للبحث عن أهدافه وأسبابه للعيش التي تدعوه للتمسك بالحياة وعدم فقدان شخصيته.
أسلوب اللعب وتصميم المراحل
عندما تعلم أن هذه اللعبة الأولى من نوعها لأستديو CD Projekt Red، فمن الطبيعي أن تلوح شكوكك حول قدرتهم على إنجاز مستوى مبهر ومصقول لأسلوب اللعب، ولكن اطمئن! CD Projekt Red قدّم إحدى أفضل تجارب التصويب من المنظور الأول هذا الجيل! نعم أعني ما قلته، رغم أني لم أحبذ بداية فكرة المنظور الأول للعبتنا، ولكني فوجئت أني أحببت التطبيق كثيراً لدرجة أني صرت ممتن بأن اللعبة لم تكن من المنظور الثالث كما كنت أرغب! في كثير من تجارب ال FPS خاصة من الاستديوهات الحديثة، خاصة في ألعاب ال RPG، نلاحظ قصور في الأداء الحركي والكاميرا وحتى في ضبط الأسلحة وأنواعها ونظام القتال (Battle System) الذي يكون ضائع الهوية في كثير من الألعاب ذات نفس الصنف، وتجد في كثير من الأحيان أن التطبيق غير مناسب لل Shooters بل أقرب منه لأسلوب ال RPG التقليدي المسمى محلياً “طقني واطقك” ولكن بأسلحة نارية، فتكون الخلطة “مكسورة”.
ولكن في لعبتنا، أنت هنا تلعب FPS بمعاييرها الأصلية ولكن بلمسة RPG حديثة متوافقة مع توجه التصويب، يعني تخيل عزيزي أنك تلعب أجزاء الجيل السابع من Battlefield أو Call Of Duty في عالم مفتوح بملامح RPG واسعة النطاق! والأسلحة جزء من هذا التوافق، حيث ستجد أسلحة متنوعة من Assult Rifles والمسدسات بأنواعها المختلفة إلى ال Machine guns وكذلك ال Shotguns وأخيراً ال Precision Rifles، ولكنك لن تجد أسلحة ليزرية مثلاً أو تلك الأنواع العديدة التي يتفنن المطورون في ابتكارها، غير مدركين أنها في كثير من الأحيان ضائعة الهوية وغير مناسبة لعالمهم تماماً!! الجميل في Cyberpunk 2077 أنه رغم أن الأصناف تقليدية إلا أن فيها لمسات من الإبتكار الممتاز، على سبيل المثال، أحد الأسلحة المميزة في اللعبة هو مسدس ناطق أوتوماتيكي، تقوم بضبطه على إعداداتك الخاصة ويقوم هو بالتصويب بدلاً عنك! وهو جداً مفيد وممتع، مواكب ومتجانس مع التطور التقني في العالم غير مخالف ولم يبعد النجع عن عالم اللعبة ومقوماته.
وزنية اللعب من الحركة والكاميرا وتصويب الأسلحة يعيبها شيئان جوهريان: الأول هو عدم دقة Hit Boxes، أحيانا تصوب بقناصتك على الرأس وتتفاجئ أنها لم تكن إصابة قاتلة، وفي أحيانا أخرى تصوب بشكل واضح فوق الرأس أو على الرقبة أو الكتف خطأً، وتتفاجئ عزيزي القارئ أنك اصبته ب Headshot! الأمر الآخر هو تعقيد الجري باللعبة واختيار ميكانيكية جداً منفرة في كيفية الجري، عزيزي المطور، عندما تصنع لعبة أكشن اشتباكية من المنظور الأول، لا ينبغي أن تجعل زر الركض ضغط مطول على ال Thumbstick، هذا قرار سيء بجدارة! الحركة بصفة عامة مُعوقة وغير سلسلة تماماً، يظهر هذا جلياً إن قررت اللعب بالسيف والاشتباك الجسدي، حيث تتجلى عندها مشكلة أخرى هي ضيق مجال الكاميرا. غير هذا فأسلوب اللعب ببساطة ممتاز وممتع، فهو بالتأكيد لن يقتصر على تجربة التصويب الكلاسيكية المحبذة، بل إن الإبتكار فيه يكمن في المهارات التكنولوجية الجديدة التي سنستفيد منها كثيراً أثناء القتال واللعب، فلدينا العديد من القدرات التي تعطينا أفقاً لخيارات أكثر للعب غير القتال والاشتباك بالسلاح، فعلى سبيل المثال، إن كان هنالك عدو شديد المراس في منطقة تودّ الإشتباك فيها، فبإمكانك أن تقوم بإصابته بفايروس صاعق يضعف من طاقة حياته أو ينهيه بالكامل، أو إن وددت سبيل التسلل والتخفي، فستجد العديد من الخيارات لإعماء الأعداء فترة من الزمن حتى تمرّ، أو تشتيتهم حتى يبعدو أنظارهم عن مسلكك، أو تعطيل الكاميرات أو الولوج إليها لرؤية توزيع الأعداء في المكان أو إيجاد رهينتك بسرعة أو تحديد مكان هدفك أياً كان، الأمر ليس بهذه البساطة المملة، فلديك مقدار معين من الاستخدامات التقنية لهذه المزايا، شيء شبيه بعداد يرتفع وينخفض حسب ما تستعمله من مهارات تكنولوجية وكل واحدة لها نسبة مختلفة تتطلبها. وتحتاج لمستوى معين مع بعض الأعداء المتقدمين، وكذلك فهذا النمط يشجعك على إيجاد طرق ذكية وبناء خطة للهجوم أو الوصول لهدفك، لن يكون الأمر مجرد: “اقتحم، اقتل الجميع بسهولة، نفذ مهمتك ثم ارحل” فالأعداء ذوي بأس شديد، وستحتاج للكثير حتى تتخلص منهم. كما أن اللعبة تضيف خيار صناعة وتطوير الأسلحة بشكل محدود ومقتصر على أمور سطحية، لا تضيف قيمة حقيقية للأسلحة وبالإمكان تخطي هذه الجزئية كلياً. كذلك الأمر مع الرقائق الإلكترونية التي تمنحك اللعبة إمكانية تزويد شخصيتك بها وإدخال تقنيات جديدة تستعملها مثل إبطاء الوقت وغيرها، المشكلة أن اللعبة لا تجعلك محتاجاً لهذه الإضافات باهضة الثمن فربما تجد نفسك ببساطة تتخلى عنها. تفاصيل كثيرة، دون قيمة تحوجك للغوص فيها وبناءها.
نأتي الآن لإحدى أعظم سلبيات لعبتنا الجميلة، تصميم المراحل.. لا أدري ما إن كان المطورين في CD Projekt Red متأثرين جداً بألعاب Metal Gear أو Assassin’s Creed، ولكن مهما كنت متأثرا بها، فلا ينبغي عليك أبداً! أن تصنع لعبة RPG، وتحشوها بالتخفي! عزيزي القارئ، دعني أخبرك سراً صغيراً، لا تخبر به أحداً.. (بإمكانك إنهاء لعبة Cyberpunk 2077 بالمسدس الذي يُعطى لك بداية اللعبة، لا تقلق، ستحتاجه فقط مع بعض الزعماء، تأكد من تعبئة مخزن الرصاص فحسب) مش معقول يا جماعة أن تقريباً 90% من اللعبة مهام تخفي! لا حرفياً أنت قادر على إنهاء معظم مهام لعبة تقمص الأدوار والتصويب من المنظور الأول التي أبدع مطورو أسلوب اللعبة في وضع شيء قوي فيها دون إطلاق أي رصاصة! بل على العكس! اللعبة تشجعك أن تنهي المهام بالتخفي والشخصية المرافقة تزعجك بألا تثير الإنتباه! يا أخي أنا لعبت Assassin’s Creed Valhalla والتخفي فيها كان أقل من Cyberpunk 2077! بصراحة هذه طامة من كُتاب المهام ومصممي المراحل! من الجيد أنهم أعطوك الخيار في أن تقتحم بسلاحك وتشعر بأنها فعلاً لعبة تصويب و RPG وإلا لربما لم أنهيها، لأن أساساً لتملك لعبة تخفي جيدة، عليك أن تتعب على شيء إسمه “الذكاء الإصطناعي” وهو كارثي في Cyberpunk 2077! تخيل عزيزي القارئ أن الأعداء في حالة التأهب لدخيل، ووجدو بالفعل جثة لحليف لهم، وهم في حالة التأهب ينظرون إلى الجدار وعاطيينك ظهرهم! أو تخيل أنك تمشي في خط مستقيم بجوار العدو وهو لا يدري عنك شيئاً! لا مشكلة في هذا لو أنك لم تجعل مهام اللعبة خيار التخفي فيها هو الرئيسي وليس العكس! نصيحة، استعمل دائماً خيار الدخول الحربي إلا في مهام معينة ستلاحظ فيها أن الهجوم انتحاري، لكي تستمتع بأسلوب اللعب المتقن، ولكي تتجنب رؤية الغباء الإصطناعي، نعم ستجد أحيانا وسط القتال عدو أو شلة من الأعداء عالقين ينظرون إليك ولا يطلقون النار، ولكن هذا أهون الشرين.
أخيراً، اللعبة تقدم شجرة مهارات جيدة، عبارة عن تطويرات هامة لشخصيتك وبنيتها وبعضها خاص بالحيل التكنولوجية التي تملكها، وبعضها يختص بالجانب القتالي الناري أو الجسدي. أغلبها ليست ذات قيمة كبيرة بل وبإمكانك إنهاء اللعبة دون فتح قائمة شجرة المهارات، وعلى صعوبة Hard حتى، ولكنها ستسهل المهمة كثيراً وتضفي بعض المتعة عليها. المهارات تكتسب بال Street Cred نقاط تجمعها عند أداء المهام الرئيسية والجانبية وعند قتال الأعداء. كذلك لديك نظام ال Level Up التقليدي لعناصر معينة منها الذكاء (Intelligence) والقوة الجسدية وغيرها، ستلاحظ أحيانا أنك في خيارات الحديث تحتاج إلى Level معين لتقديم بعض الردود، ولكن ذلك لن يضيف شيئاً حقيقيا سوى سطر حديث من V يبين أنه “فالح” في ما يتحدث عنه، ليس كما في The Witcher 3 عندما يعطيك ال level العالي في شيء معين خيار لإنهاء المهمة بشكل مختلف تماماً! لا هذا لن يحدث إلا نادراً وفي المهام الجانبية، في الواقع لعبتنا خطية إلى حد كبير في مسارها الرئيسي، لا تتأمل وجود الخيارات سوى في أمور جوهرية في اللعبة وقطعية (أسئلة نعم أو لا، سأفعل أو لن أفعل، سأقتلك او سأتركك) وهنا نشير إلى نقطة أخرى مخيبة للآمال، حيث إحدى أهم مقومات بنية ال WRPG الخيارات في الحوارات والمهام والمسار القصصي للأحداث، مالم يتواجد في Cyberpunk 2077، فاللعبة أقرب منها للعبة “عالم مفتوح خطية” من كونها “تقمص أدوار غربية” في هذا الجانب، ولن يُهم كثيراً المسار الابتدائي لشخصيتك، لأنك سرعان ما ستجد أن ما اخترته أصبح من الماضي ولن يؤثر سوى على بعض المحادثات المستقبلية، لا تقلق كثيراً حول خياراتك عند المحادثات فهي غالباً ما ينطبق عليها مثال “كل الطرق تؤدي إلى روما”، وفي المحادثات التي تشكل فارق خياراتك فيها، ستجد صعوبة في فهم وتوقع ما سيؤول إليه خيارك.
العالم والشخصيات والحوارات
تدور أحداث اللعبة كما ذكرنا آنفاً في الولايات المتحدة الجديدة، مكان قذر يعج بالتقنية، لا حرفياً قذر فستمر بجبال القمامة والمخلفات كثيراً في اللعبة إضافة إلى الشوارع والمناطق المنكوبة، في إشارة وتطبيق جيد لوصف حالة العالم السيئة والقبيحة رغم Propaganda التطور والحياة الحديثة الآمنة. (Propaganda تعني الترويج الإعلامي لحالة مجتمعية أو أفكار تخدم مصلحة معينة، عادة ما تكون سلبية). العالم بصرياً خلاب وتفاصيله مبهرة وجميلة جداً، من الممكن القول أن عالم Cyberpunk 2077 هو أفضل تطبيق للعوالم الحديثة في الجيل الماضي “مظهرياً”، ولكن ماذا عن المحتوى؟ من الجميل أن اللعبة تقدم خاصية قيادة السيارات الجيدة في عمومها، حيث ستتمكن من إغلاق عداد سياراتك على السرعة القصوى وأنت تتنقل بين المهام، غالباً ما سيكون لديك رغبة في فعل ذلك أكثر من الرغبة في النزول من السيارة منتصف الطريق، لأنه ليس لديك ما تفعله سوى تنفيذ مهام التصفية المكررة بنفس الكيفية ونفس كل التفاصيل لشرطة Night City لتحصل على جائزة مالية تشتري بها السيارات التي يمكنك سرقتها بكل سهولة، إما هذا أو أن تنخرط في مهام جانبية عميقة وتنسى مهمتك الرئيسية، نشاطات العالم السريعة والبسيطة التي تجعل منه عالما مفعما بالحياة وذو قيمة جيدة ليست أمرا أبدعت فيه Cyberpunk 2077، ربما ما فعلته Rockstar مع Red Dead Redemption 2 رفع سقف معيار نشاطات العالم المفتوح. ولكنه بالمجمل عالم جيد، يفتقر للكثير ليكون حتى جيد جداً.
شخصيات اللعبة الرئيسية جيدة، خاصة حواراتها، واقعية أفعالها وقراراتها، بل إن الحوارات في اللعبة من أكبر ما يميزها، ستجد نفسك تتفاعل معها بإستمرار، نخص بالذكر حوارات رفيق الدرب Jonny، وكذلك Judy، وأيضاً Panam وصديقها، والكثير من الشخصيات الأخرى الجانبية مثل River. وكما تعلمون، فالحوارات هي إحدى أربع دعائم رئيسية لقصة جيدة، و Cyberpunk 2077 نجحت في 2 منها وفشلت في 2 أخرى هما ال (Lore) وخلفيات العالم وابعاده القصصية، وكذلك الشخصيات التي سنتطرق لها لاحقاً. خاصية الهاتف كذلك جميلة جداً وممتعة، فلست بحاجة للذهاب للشخصية لمحادثتها بل بإمكانك الإتصال والحديث وأنت تقود السيارة وتقطع عالم Cyberpunk 2077 الأضخم بمدري كم مرة من عالم The Witcher 3.. (أوه إجراء المكالمات عند القيادة مخالف للقوانين) انسو ما قلته توأً.. xD
ماذا عن الناحية الكتابية للشخصيات؟ فهي متفاوتة إلى حد ما، أقرب منها للضعف مجملاً. بصراحة أنا أستغرب من أن نفس الأشخاص الذين قدمو لنا The Witcher 3 هم من عملو على Cyberpunk 2077، شخصيات الإضافات في The Witcher 3 يملكون خلفيات قصصية أعظم وأعمق من معظم الشخصيات الرئيسية في Cyberpunk 2077.. شخصيتنا العظيمة Jonny Silverhand يفتقر لقصة جيدة بل وإن قصته سطحية، وذكرياته تود لو أنك لم ترها، وله سذاجة لا يمكن تخيلها وتتنافى مع حقيقة أنه أخطر إرهابي في تاريخ Night City الحديثة، كذلك الأمر مع صديقنا العزيز Jackie، عند أول لمحة له تظن أنه شخص شديد البأس قوي الإرادة، ثم تتفاجئ بكونه رقيقاً وبالكاد تصدق أنه رجل عصابات ذو سجل جنائي حافل، في الواقع أنا ظننته يحيك لنا أمرا في بداية اللعبة ويخدعنا من شدة الخلل الموجود في بناء شخصيته! ليس كأن الأمر يختلف مع بقية الشخصيات، فلاحظت غياب الخلفيات القصصية لمعظم الشخصيات تقريباً وتجد أنها شخصيات سهلة النسيان، ضعيفة الصلة بعواطفك للتفاعل مع ما تمر به، رغم أن لها حوارات ممتازة! وربما نستثني من هذا حفنة من الشخصيات على رأسها Judy و Goro Takemura والشخصيات الرئيسية الثلاث من عشيرة Aldecaldos وهم Panam و Mitch و Saul، والعديد من شخصيات المهام الجانبية ولكن هل 5 شخصيات جيدة أو حتى 8 عدد كافي في لعبة WRPG؟ لا، ولكن أفضل من لا شيء طبعاً، على الأقل ستجد ما يشفي غليلك في بعض الشخصيات ويطفئ غياب التأثير العاطفي الذي يسود حول الشخصيات الأخرى. وختاماً في هذه الفقرة، نذكر أن ملامح الوجوه وتعابيرها ممتازة دائماً ومن أفضل ما رأيت بهذا الجيل (أتكلم عن الصورة التي بمحرك اللعبة وليس عروض ال CGI).
الأداء التقني والبصري والصوتي
لعل أكثر ما سمعتموه من انتقادات حول Cyberpunk 2077 هو أداءها التقني، في الواقع سأفاجئكم أني وعند تجربتي لها على Xbox One X بعد آخر التحديثات لم أواجه أي مشاكل تقنية سوى freezing يحصل أحياناً وسط المهام أو عند المشي والركض بالأماكن المكتضة، وأحياناً إختفاء بعض ال objects وخاصة البشر، بحيث ترى هاتف يتحرك ف الهواء وتقف قليلاً لتدرك أن هناك من يحمله ويتكلم به لكنه مختفي xD ليست مشاكل ذات قيمة، كذلك واجهت مشكلة أفسدت عليّ قتال زعيم وحدث هذا مرة واحدة ومشاكلي مع اللعبة بعيدة عن مجرد مشاكل تقنية، رغم أنها كانت عانت من ضعف تفاصيل الرسوم Textures بداية ومن مشاكل عديدة أخرى ولكن بعد أول تحديث تحسنت ال Textures وأصبحت جيدة جداً سوى في التفاصيل الصغيرة في الأغراض الشخصية مثل الأكواب وما إلى ذلك أحيانا تكون ضعيفة وسيئة بشكل غريب عن باقي التفاصيل. كذلك الأمر عند بعض المشاهد مع الشخصيات الجانبية تلاحظ ضعف شنيع في تفاصيل رسمها، مع أن شخصيات أخرى تجدها مرسومة بشكل مذهل مثل Judy و Jonny.
أما الصوتيات فللأسف نأتي لسقطة أخرى، حيث أنك لن تجد ما يثري أذنك بأي موسيقى جيدة حتى، بل وإن بعضها سيء مثل أغاني الراديو المثيرة للشفقة في مجملها (مثل الأغنية اليابانية التي اشتهرت في مواقع التواصل الإجتماعي) مع بعض الاستثناءات المعدودة، وموسيقى القتال الموجعة للرأس، ولا تأمل عزيزي القارئ بمستوى موسيقى قريب بأي درجة ل The Witcher 3. ربما البعض سيعتبر هذا ذوقي الخاص، ولكن دعوني أكتفي بالقول أنك لا تكاد تجد أحداً لعب The Witcher 3 يختلف حول عظمة الموسيقى فيها، بينما في Cyberpunk 2077 أنا أول من ينصحك بأن تستغني بشكل كامل عن موسيقى اللعبة وتقوم بتشغيل موسيقاك الخاصة كما فعلت أنا p: أصوات الأسلحة ممتازة بل وإن صوت تعشيق قناصة Overwatch يطرب أذني أكثر من أي موسيقى باللعبة، كذلك أصوات الشخصيات مختارة بعناية مؤداة بدقة وواقعية ممتازة. وجدير بالذكر الإهتمام البالغ بمساقط الضوء الخلابة والدقيقة والإهتمام بالظلال والمؤثرات الحركية مثل المطر وما إلى ذلك، وهو أمر غير مستغرب، فلدينا كذلك هذا الإهتمام في The Witcher 3 الذي تجده منذ أولى المناطق التي تزورها في اللعبة، وكشخص يحب الإهتمام بمساقط الضوء أجد ما يفعله CDPR يستحق الثناء.
الإخراج
نأتي للجزئية الأخيرة في مراجعتنا وهي إخراج الأحداث في اللعبة، لعبتنا تملك أحداث تحبس الأنفاس، أحداث ملحمية بإمتياز، رغم من محبي الإخراج السينمائي الذي يجعل وقع الأحداث أقوى على نفسي، إلا أن هذا لم يمنعني من الإستمتاع بإخراج Cyberpunk 2077 الذي يسيطر عليه المنظور الأول بالكامل ولن ترى الكاميرا إلا من المنظور الأول. صراحة، تمنيت لو أن بعض المشاهد تم إخراجها بزوايا كاميرا مختلفة على الأقل، فأحيانا أشعر أن زاوية الرؤية كانت لتكون أفضل من التي هي عليه. غير هذا، أحيانا تجد لحظات صمت Awkward وسط الأحداث ولا تفسير لها، قطعت انسجامي مع الحدث أحياناً.
نختم حديثنا المطول بالحديث عن ترجمة النصوص العربية ودعوني أولاً أخبركم أن هذه أول مرة لي في حياتي أقوم بتفعيل الترجمة العربية في لعبة، نظراً لما سمعته من استحسان لفريق ترجمة The Witcher 3. ولكن وللأسف، رغم إعجابي بخروج المترجم عن النص أحياناً بكلمات مضحكة أو مصطلحات تستخدم عامياً لمعاني أخرى مثل مصطلح “لا تتفلسف”، وكذلك إتقانه للفواصل ورسم ملامح الحوار كتابياً، إلا أنني صدمت أنه وفي العديد من المرات يتم ترجمة سطور بشكل خاطئ بالكامل واختلاف جذري بين الكلام المُقال والترجمة الظاهرة له، فإن كنت ضليعاً باللغة الإنجليزية بشكل جيد، فلا أنصح بتفعيل الترجمة العربية حتى لا تفسد عليك بعض الحوارات بالترجمة الخاطئة كلياً.
تمت هذه المراجعة على نسخة من اللعبة مقدمة من الناشر وعلى جهاز Xbox one x
التقييم النهائي - 8.5
8.5
الخلاصة: عندما تتأمل في تميز القصة والعالم، وأسلوب اللعب الرائع والبيئات المعبرة والرسوم المذهلة، ثم ينصرف بصرك تلقاء العالم الضعيف وتصميم المراحل المتناقض مع هوية اللعبة وغياب الخلفية القصصية القيمة في اللور والشخصيات والأداء الموسيقي الضعيف، تتسائل في نفسك وسط مشاعر مختلطة حول اللعبة.. ما الذي حدث؟ لماذا هذا التفاوت والسقوط في سلبيات برع فيها الأستديو في آخر ألعابه! وستجد أن Cyberpunk 2077 لعبة وقعت ككثير مثلها ضحية لقرارات إدارية خاطئة، ففي حين كان بإمكانها أن تصبح أيقونة تقف جنباً إلى جنب مع The Witcher، وقفت في المنتصف بجوانب غاية في الإبداع، وسلبيات يصعب التغاضي عنها.