مراجعة Deliver At All Costs

العام الماضي تم الإعلان عن لعبة مستقلة بعنوان Deliver At All Costs، التي لفتت الأنظار بفكرتها المميزة التي حولت القالب التقليدي الممل بتوصيل الطلبات، لفكرة جنونية يوجد فيها الكثير من الهزل وانعدام الجدية. فتم تسويق اللعبة على فكرة توصيل الطرود بشكل غير تقليدي، ببيئة قابلة للتدمير بشكل كامل، تزيد من فوضة الفكرة أكثر وأكثر! وبهذه المراجعة سنضع هذه الأفكار تحت المجهر وسنوضح كيف تم تطبيقها واستغلالها على مدار عمر اللعبة.

• اسم اللعبة: Deliver At All Cost
• المطور: Studio Far Out Games
• الناشر: Konami
• التصنيف: Action
• المنصات: PC – PS5 –Xbox Series X|S
• منصة المراجعة: PC
• اللغات: لا تدعم اللغة العربية
• مدة اللعبة: 15 ساعة تقريبًا
• للمزيد من المعلومات عن اللعبة زوروا الموقع الرسمي

القصة

تقع أحداث اللعبة بخمسينيات القرن الماضي، حيث نجد بطلنا Winston Green الشاب ذو الطبع الحاد، ينتقل حديثًا لمدينة St. Monique فارًا من ماضيه المظلم والمجهول الذي تسبب بطرده من الجامعة! فبعد وصوله للمدينة، يبدأ Winston البحث عن عمل، وبالصدفة وجد الفرصة المثالية للعمل كمندوب توصيل طلبات بشركة تدعى We Deliver، ومن هنا تبدأ رحلتنا المليئة بالأحداث الدرامية والتقلبات.

من أمور القصة الإيجابية هي إختيار حقبة الخمسينات الرائع هنا، فتم بناء العالم بشكل رائع حول هذه الحقبة والاهتمام بأدق التفاصيل مثل خطر الحرب النووية! وحتى القصة تبدأ بفصلها بشكل ممتاز وتصاعد مثالي للإحداث، بنبرة هزلية رائعة جدًا جعلت استقبال المبدئي للقصة إيجابي جدًا، وهذا مع إضافة الراوي بالخلفية التي هي بدون جدال أكبر ايجابيات القصة، التي كتابة حواراته بشكل جيد يتمتع بالكثير من الهزلية كذلك. ولكن! ما تم ذكره من إشادة يخص فصل اللعبة الأول فقط، اما ما بعده، فيحمل الكثير والكثير من الهراء

بعد فصل اللعبة الأول، قصة Deliver At All Cost تصبح قصة مفككة، مشتتة، عديمة الهوية، غير واضحة التوجه! تائهة ما بين الاسلوبين الهزلي والدرامي، تحاول أن تركز على الاثنين بآنٍ واحد، فتضيع لتصبح قصة تائهة عديمة المنطق. ولكي لا نُفهم بشكلٍ خاطئ، الدمج بين الهزلية والدرامية أمر طبيعي، الكثير من القصص تفعله، مشكلتي هنا التطبيق بالمقام الأول، فنبرة القصة تتحول بشكل جذري بين مشهد ومشهد، فمن الممكن أن نحصل على مهمة هزلية بشكل كامل، ثم بعدها ستجد نبرة جدية وكأنك تشاهد فيلم detective noir! فتضارب وتفاوت النبرة هذا خلق مشكلة كبيرة باستقبال القصة وحتى الاهتمام بالاحداث الذي تحصل حولنا. وكلما تقدمنا أكثر قلّت الهزلية بالسرد أكثر، والذي يُعتبر أمر طبيعي بسبب تصاعد مستوى الخطر بالأحداث، ولكن وجهة النظر هنا أن القصة باتت تتجرد من يميزها كلما تقدمنا بأحداثها، وبالتالي خلق علاقة طردية مع اهتمام اللاعب بالقصة مجملًا.

قصتنا هنا تتمحور حول حبكة قصصية واحدة، وهي ماضي Winston الغامض وتأثيره على حاضره ومستقبله. فكما ذكرت بالبداية تم حكاية هذه القصة بشكل رائع جدًا، مع بناء جذاب فعلًا يجعلك تتشوق إلى ما ستؤول عليه الأحداث. ولكن بعد الفصل الأول، زال البريق وصدأ الحديد واكتشفنا عيوب كبيرة بهذه القصة. فالكثير من الاحداث تحصل بلا منطق أو تفسير، تشعر أن سبب وجودها هو أن الكاتب أراد وضعها ولكن مع نسيان عنصر المنطقية والترابط بشكلٍ تام! فالكاتب هنا يعشق إقحام عناصر غريبة أو مفاجئة فقط لعنصر الصدمة، بدون بذل أي مجهود أو عناء لمحاولة شرحه! فللاسف هذه الامور أثّرت على درجة الاندماج بالقصة لدرجة انه عندما الكشف عن ما يُعتبر أكبر لغز بالقصة، لم أكترث البتة الحقيقة، لأن القصة فقدتني منذ وقت طويل بسبب هذه الاحداث المتسارعة الغير منطقية.

وهنا نأتي للشخصيات، الذي هم أيضًا أخذوا حصتهم من سوء الكتابة، فابتداءًا من البطل، الذي يبدأ بداية جيّدة بسبب عنصر الغموض بماضيه، ولكن ما حصل بعدها هو تدمير تام لما تم بنائه بالفصل الأول، فالشخصية تصبح غريبة ومتناقضة الأفعال، يتم تفسير هذه الافعال بسبب أنه "حاد الطبع" أو "سيئ الحظ"، والذي يُعتبر ليس سبب كافي لتحويل شخصية من المفترض أنه عبقري كما صُوّر لنا ببداية اللعبة لمجرد أحمق الحقيقة. ثم نأتي لباقي الشخصيات الذي يعانوا من مشكلة اسوأ، فهم مملين جدًا لدرجة أن معظهم غير مثيرين للإهتمام بتاتًا! باستثناء الشرير الذي هو أيضًا كان له تقديم جيّد، ولكن - كما هو الحال مع معظم مشاكل القصة - بسبب ضعف كتابة الدوافع الشخصية، وترك خطوط قصصية تم البناء اليها بالبداية بمنتصف الطريق، خرجنا أيضًا بشخصية غير جيّدة.

نقطة أخيرة فيما يخص القصة وهي المشاهد السينمائية، التي انتاجيتها لم تكن أفضل ما يكون وهذا أمر طبيعي بسبب حدود الميزانية. ولكن مشكلتي هنا مع التطبيق المتفاوت، فبعض المشاهد يتم إخراجها بطريقة غريبة جدًا من ناحية زوايا التصوير أو التركيز على أمور تضر بوحدة المشهد كثيرًا لدرجة أن بعضها يتم "تخريبه" بسبب قرارات الاخراج الغريبة هذه. أيضًا قدمت اللعبة بعض المشاهد بأسلوب قصص مصورة، وعلى الرغم أنها اضافة لطيفة، ولكن لم أستطع فهم وجودها الحقيقة، فتشعر أنها أيضًا تضر من وحدة وسريان المشاهد تمامًا. فتشعر وكأنه سبب وجودها هو أمر يخص الميزانية وليس لأمر أو نظرة فنية.

اسلوب اللعب

تصنف لعبة Deliver At All Costs على انها لعبة اكشن توصيل، حيث اخذ الفريق فكرة التوصيل البسيطة، وحولوها لتجربة مليئة بالفوضى. فدورة اللعب الرئيسية تركز على قيادة الشاحنة من نقطة أ الى نقطة ب مع الكثير من الفوضى اثناء التنقل بينهما. فاللعبة تقدم بيئة قابلة للتدمير بشكلٍ كامل! فكل ضخرة، اشارة، او حتى مباني بأكملها قابلة للتدمير! ففزيائية التدمير هذه خلقت ديناميكية لعب ممتعة جدًا وجعلت مهام التوصيل والتنقل افضل بكثير، خصوصًا بأن القيادة أيضًا جيدة ولكن تحتاح للقليل من التعود. فمنظور التصوير هو العلوي (top down) مع امكانية تحريك الكاميرا لليمين واليسار (بزاوية نصف دائرة فقط)، الجميل هنا ان هذه الميكانية مستخدمة بل مرتبطة بشكل وثيق مع الحركة، فاتجاه حركة الشخصية يحدده زواية الكاميرا ليس موقعه بالعالم، عندما تقود احد سيارات اللعبة، ستحرك الكاميرا كثيرًا بالاتجاه الذي يكون التحكم فيه صحيح، لانه اذا كان الاتجاه خاطئ ستصبح الحركة الاتجاهات معكوسة (inverted). واعتقد هذه ميكانيكية ممتازة وذكية،

ولسياراتك عدة قدرات اضافية تساعد على زيادة الفوضى باللعب، فهناك مثلًا خاصية Time Control (تبطيئ الوقت)، Jet Engine (نيترو)، Wheel Spikes (اشواك الكفرات)، وغيرها من القدرات مثل الـ Winch والـ Crane لتحميل الطرود. غالبية هذه القدرات اما ان تم تتاح مع التقدم بالقصة، او لعب المهام الجانبية التي ستعطيك الوصفة ولكن عليك تجميع الموارد لتصنيعها. مشكلتي مع هذه القدرات هو ان بعضها لا يضيف اي قيمة للعب ولا يوجد اي سبب لاستخدامها، فأحد القدرات مثلًا عبارة عن بوق سيارة ضخم يحدث ضررا بكسر الزجاج بالبيئة، قدرة أخرى لسبب ما ستفتح جميع ابواب السيارة واللاعب داخلها. صحيح هذه القدرات تزيد من درجة الهزلية التي تميز اللعبة، ولكن ليس تأثير حقيقي على اللعب ومجرد "gimmick" كوميدي لا أكثر. وما جعل المشكلة اسوأ هو وضع حد لقدرة واحدة فقط تستطيع استخدامها، وللتبديل بين القدرات يجب ان تذهب للقائمة بدل إضافة زر تبديل سريع يتماشى مع جو الأكشن السريع للعبة، فقرار التصميم هذا غريب الحقيقة وفعلًا كان عاملًا مؤثرًا بالسلب على انسيابية اللعب.

بالاضافة لقيادة السيارات، تستطيع أيضًا النزول من السيارة والتحكم بالشخصية نفسها، ولكن هنا لا يوجد الكثير من الخيارات الحقيقة باسثناء المشي وربما القفز ودفع الـ NPCs، وحتى تصميم العالم نفسه لا يوجد الكثير لتفعله بالشخصية، وبالتالي ليس هناك تركيز كبير على تصميم ميكانيكيات مصقولة للشخصية، وهو أمر منطقي بالطبع.

العالم المفتوح وتصميم المهام

تصنف لعبتنا أيضًا على انها لعبة عالم مفتوح بحيث تستطيع التجول بحرية فيه بين المهام الاساسية. ويقدم هذا العالم عددًا من النشاطات مثل المهام الجانبية، ايجاد السيارات المخفية، والصناديق. إنجاز المهام الجانبية هنا يعطيك المخطوطات القدرات الشاحنة كمكافأة، والصناديق ستعطيك موارد تصنيع هذه القدرات. اما السيارات فالحقيقة فشلت بالبحث عن فائدة بتجميعها او البحث عنها. فعنعم ستسطيع قيادة سيارات اخرى، ولكن هذه السيارات ليس لها اي مزايا اضافية، بل العكس تمامًا! تعتبر اسوأ من الشاحنة لانها غير مزودة بالقدرات التي صنعتها، فبتالي لا يوجد أي فائدة من وجود نشاط كهذا. وللاسف العالم المفتوح باللعبة تشعر وانه فارغ جدًا، ليس مستغل بشكل جيّد ابدا باستثناء كونه مساحة للتدمير وخلق فوضى، والذي يُعتبر بذاته امر غير كافي لانه يعطّل إيقاع المهام الرئيسية. فعلى الرغم من وجود بعض المهام الجانبية، إلّا ان عددها قليل مقارنة بحجم العالم، وتصميم هذه المهام أيضًا متواضع ولا يرتقي لمستوى المهام الاساسية بأي شكل من الأشكال! وما زاد الامر إحباطًا هو تفاوت مستوى القدرات المقدم، فحتى عنصر المكافأة يفقد قيمته عند اكتشاف تأثير هذه القدرات على اللعب.

وبالحديث عن المهام الأساسية، فهي وبدون شك أفضل مافي اللعبة الحقيقة! فهي تقدم تنويع حقيقي باللعب وهوية خاصة بمواقف مميزة لكل مهمة باللعبة، وتضيف هزلية عظيمة جدًا لجو اللعبة العام. فأحد المهام كان تطلب توصيل قنبلة موقوتة لمكان معين قبل انفجارها، اخرى الهرب من قصف جوي، الهرب من براكين، توصيل بالونات، وغيرها من المهام بأفكار غريبة.

ولكن ما ذكرت على الرغم ان تصميم المهام ممتاز، ايقاع هذه المهام يعاني من وجود العالم المفتوح، فالتنقل بين المهام الحقيقة مع مرور الوقت يصبح اقل متعة الحقيقة، فكنت افضّل ان تتبع اللعبة توجه خطي بالكامل، بدلًا من دورة التصميم هذه التي تتبع نمط يصبح مكررًا عند نقطة معينة! فايقاع تصميم المهام هو كالتالي: اخرج من المنزل > اتجه لمقر العمل > تحدث مع هذا > اقبل المهمة > نفذ المهمة > ثم عد لنفس مقر العمل لتتحدث مع شخصية اخرى غير مثيرة للاهتمام. فكل هذه الخطوات كان يمكن اختصارها وجعل اللعبة خطية بالكامل

وهنا بأقل متعة لا أقصد انه ممل، لان مع هذا التنقل بالعالم ما زال ممتع بفضل فيزيائية التدمير الرائعة للمدينة، على الرغم من أن هناك فرصة ضائعة بعض الشيء باستغلال فيزيائية التدمير هذه، التي تم اقتصارها على التجول بالعالم فقط، بدون المحاولة باستغلالها بتصميم مهام اساسية تعتمد بالكامل على هذه الميكانيكية، باستثناء مهمة واحدة فقط للاسف.

التقديم والأصوات

من ناحية الفنية فلعبة Deliver At All Costs صورت حقبة الخمسينات بشكل جميل جدًا فمن تصميم المباني، الشوراع، اللوحات الاعلانية، وحتى السيارات وملابس الشخصيات بالمدينة، وغيرها من الامور التي تصميمها والعناية بأدق تفاصيل الحقبة. صحيح بأن المظهر التقني للعبة ليس قوي وهناك مشكلة بحركة الشفاه، ولكنها بالنهاية لعبة مستقلة ولا يجب التوقع منها إنتاجية عالية بهذه الجوانب. ولكن ما يجب توقعه هو آداء تقني جيّد وهذا بالضبط ما حصلنا عليه، فأداء اللعبة ممتاز ودائمًا ما كان مستقر طِوال الخمسة عشر ساعة التي قضيتها مع اللعبة.

اما بخصوص تصميم الاصوات فهو أيضًا جيّد، سواء من ناحية اصوات العالم والبيئة، أو موسيقى الخمسينات الممتازة جدًا التي اضافت الكثير لتجربة اللعبة سواء الموسيقى الأصلية من اللعبة أو الموسيقى المرخصة. وحتى التمثيل الصوتي لمعظم الشخصيات كان رائعًا خصوصًا الرواي، برأيي كان الافضل أداءًا باللعبة.