أثبت أستديو CD Projekt Red الذي يعمل حاليا على The Witcher 4 والعديد من مشاريع الأخرى نفس بكفاءة منذ تأسيسه وعلى مدار سنين طويلة بإمكانية تقديمه لتجارب ألعاب ممتازة، لا سيما لعبتيه الشهيرتين The Witcher 3 و Cyberpunk 2077 اللذان يعدَّان بالنسبة للكثير من أفضل ألعاب العالم المفتوح سواء من حيث المحتوى أو حتى الكتابة الممتازة للقصص والشخصيات، لكن من الأمور المعروفة عن CDPR أيضا الطموح العالي بالوصول إلى سقف جديد من حيث الجانب التقني، فلعبة The Witcher 3 كانت تتمتع بعالم شاسع ولكنها في الوقت ذاته من أفضل الألعاب من حيث المظهر وقت إصدارها، لا سيما على منصة الحاسب الشخصي وإعداداتها المرتفعة، أما لعبة Cyberpunk 2077 وإن كان إصدارها متعثرًا لكنها مع الوقت أصبحت استعراضًا تقنيًّا من الطراز الأول، ومرة أخرى تفرد اللعبة عضلاتها على منصة الحاسب بإعدادات رسومية خارقة ودعم أحدث التقنيات مثل تتبع المسار (path tracing) ووصلت لمستوى أعلى مع توسعة Phantom Liberty، كل هذا جعل CDPR من أهم شركاء NVIDIA في استعراض أحدث تقنيات الإضاءة وكيف تغير المظهر بشكل جذري.
لكننا الآن مع فصل جديد بالنسبة للأستديو، لأنه من عام 2022 أعلن تركه للمحرك الذي عمل على تطويره وتحسينه على مدار سنين طويلة RED Engine والاتجاه إلى محرك Unreal Engine 5 بالتعاون مع شركة Epic، وهذا أمر صادم بالنظر إلى حجم أستديو CDPR في سوق الألعاب، وبالنظر أيضا إلى أنه يملك محركه الخاص الذي عمل على تطويره واستمر بالعمل عليه سنين طويلة، فضلا عن كونه استعراضًا تقنيًّا مع كل لعبة تصدر.
رأينا قبل أسبوعين تقريبًا اللمحة الأولى عمّا يطمح الأستديو لتقديمه في لعبة The Witcher 4 المنتظرة، والنتيجة كانت بيئة مليئة بالتفاصيل والحيوية والمتغيرات والإضاءة الخارقة والمستوى الرسومي العالي إجمالًا، وبالطبع قمنا بتغطية المعلومات والتقنيات التي كشف عنها الأستديو على موقعنا وكذلك على قناتنا لمن يرغب بالقراءة أو المشاهدة، لكن مؤخرًا أجرى الأستديو مقابلة في مقرّه مع فريق Digital Foundry ليكشف عن المزيد من المعلومات والتفاصيل التي نرغب بمعرفتها عن لعبة The Witcher 4 وكذلك وضع الأستديو في هذه المرحلة الانتقالية وكيف تأثّر باستخدام وتطوير محرك Unreal Engine 5، وفي هذا المقالة سنلخص لكم أهم ما ذكره طاقم الأستديو وفريق Epic عن هذه اللعبة.
أسباب الانتقال
سُئل الأستديو كثيرًا عن أسباب انتقاله من محرك RED Engine إلى Unreal Engine 5، لكنه عاد للإجابة مرة أخرى على هذا السؤال في المقابلة الأخيرة، وفيها أوضح أن الانتقال ليس لأنهم محركهم الخاص سيئ، بل الأستديو فخور بالمستوى الذي حققه مع لعبة Cyberpunk 2077 والألعاب التي قبلها في وقت إصدارها، لكن الانتقال إلى UE5 كان لعدّة أسباب ومن ضمنها إمكانية العمل على أكثر من مشروع في وقت واحد، خلافًا لمحرك RED Engine الذي كان يتطور مع كل لعبة ويجب التركيز عليها هي، أما في العمل على المشاريع المتعددة فمحرك UE5 سيوفر عملية تطوير سلسة لأكثر من لعبة في الوقت نفسه، وزيادة على هذا توجههم إلى دعم مزايا اللعب عبر الشبكة واللعب الجماعي إجمالًا، هذا يشمل لعبة The Witcher الجماعية والتي يعمل عليها أستديو The Molasses Flood في الوقت الراهن مع إشراف من فريق CDPR.
نستطيع تلخيص كل ما قاله الأستديو، بأن سبب الانتقال هو لبيئة عمل أفضل وإنتاجية أكبر، وهم قالوا في تصريحات سابقة بأنهم يرغبون بإصدار مجموعة ألعاب في فترة زمنية أقل، والانتقال إلى محرك UE5 سيضمن هذا. وطبعًا كما نعلم، محرك UE5 مستخدم على نطاق واسع، ويجيد استخدامه كمية كبيرة من المطورين حول العالم، وهذا سيجعل التعاون مع الأستديوهات الخارجية وعملية أسهل وتسرع من الإنتاج.
هذا يغطي جانب الانتقال إلى المحرك، لكن عندما نرى الاستعراض التقني الماضي سنجد أنه كان يعمل على جهاز PS5 العادي، بدقة 4K وبمعدل 60 إطارًا. طبعًا هي دقة بعيدة عن كونها 4K حقيقية، لكن مجرد تحقيق نتيجة بصرية مثل هذه مع معدل 60 إطارًا في الثانية على PS5 ومع تتبع الأشعة للإضاءة العامة (RTGI)؛ تعد أمرًا مبهرًا. وهنا سُئل الأستديو: لماذا كان المستهدف هنا هو PS5 العادي وليس حاسبًا قويًّا كما اعتدنا من ألعاب CDPR السابقة؟
وهنا يجيب الأستديو بأن السبب هو ضمان أداء اللعبة بشكل جيد على الأجهزة ذات الموارد المحدودة أولًا، وضمان إمكانية تحقيق رؤيتهم الفنية وطموحهم التقني على هذا الجهاز، ومن ثم رفع المستوى للتحسين على الجوانب القابلة للتحسن على منصة الحاسب الشخصي. وهذا لتفادي خطأ ألعابهم السابقة بالتطوير على الحواسب أولًا، وثم يعاني الأستديو بمحاولة تقليل المستوى الرسومي أو الدقة أو الأداء لتشغيل اللعبة على الأجهزة المنزلية، وهذا أدى بالنهاية إلى نتيجة متواضعة مع Cyberpunk 2077 على جهاز PS4 كما نعلم، واللعبة هذه تحديدا كان مظهرها مختلفًا إلى حد كبير على الحواسب لدرجة كونها لعبة شبه مختلفة، وصارت الفجوة بينها وبين نسخ الأجهزة المنزلية هائلة من حيث جودة الرسومات، ولهذا الأستديو يرغب بتحقيق طموحه العالي على PS5 أولًا واستغلال قدراته لأقصى حد، وأن يحقق أداءً ممتازًا على هذا الجهاز وهو 60 إطارًا بالثانية، ولا يرغب الأستديو في الوقت الراهن العودة إلى تقديم ألعاب بمعدل 30 إطارًا على الأجهزة المنزلية مرة أخرى، لكن هذا هو الهدف حاليا ولا توجد أي ضمانات أو تأكيدات من الأستديو لكون اللعبة في مرحلة مبكرة من عملية التطوير، والمستوى البصري الممتاز في الديمو التقني لا يستعرض اللعبة لكن يستعرض طموح الأستديو ومحاولته لتقديم شيء مشابه بلعبة كاملة وبنفس المستوى البصري أو بمستوى قريب منه.
كيف استفاد الأستديو من المحرك
لكن تحقيق هذه النتيجة يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين بضبط أداء المحرك، وهنا عمل الاستديو مع شركة Epic لتحسين أداء المحرك من ناحية المعالج الرسومي والمركزي، لتشغيل تقنية تتبع الأشعة المعززة بالعتاد أو Hardware Ray Tracing، وهذا طبعًا مع الهدف الذي ذكرناه سابقًا وهو 60 إطارًا في الثانية على جهاز PS5 العادي. من ناحية المعالج الرسومي أصبحت تقنية تتبع الأشعة أسهل للتشغيل كما ذكرنا في تغطيتنا لمعلومات The Witcher 4 قبل أسبوعين، أما من ناحية المعالج المركزي تأكَّد الأستديو من توزيع الحمل على مجموعة من مسارات المعالج لتحقيق هذا الهدف على PS5، أما سبب اكتفاء الأستديو بـ Hardware Lumen وعدم استخدام Software Lumen، فهذا لأن SW Lumen تعطي نتائج أضعف بكثير من حيث الجودة، لا تعطي مستوى الإضاءة نفسه وتعاني من مشكلة تسرب الضوء وهذا بسبب قلة البيانات التي تستفيد منها، خصوصا عندما نتحدث عن الأجسام المتحركة، أما HW Lumen تعطي نتيجة بصرية ممتازة وهي التي يطمح أستديو CDPR لتقديمها في لعبة The Witcher 4، والتي تعتبر مليئة بالمتغيرات ويتعاقب فيها الليل والنهار وتتحرك فيها الأشجار والنباتات، ولهذا تتبع الأشعة تقنية ضرورية لتحقيق نتيجة بصرية مرضية، زيادة على أن الأستديو إذا جعل نسخة PS5 بتقنية SW Lumen ثم قرر دعم HW Lumen على الحاسب أو بوضع جودة، فستكون النتيجة مختلفة كثيرًا، أما إذا عُمل بـ HW Lumen منذ البداية فسنضمن جودة رسومية ممتازة على جميع المنصات.
واستفاد الأستديو من Lumen في إمكانية خلق مشاهد سينمائية ممتازة وبإضاءة حقيقية وديناميكية، بدلًا من التقنيات القديمة التي كانت تعتمد على إقحام مصادر الضوء في الصورة وتزييف الضوء بشكل يجعله يبدو واقعيًّا، أما HW Lumen تعطي نتائج مباشرة بشكل مباشر، وبفضلها رأينا المشهد السينمائي الذي افتتح به أستديو CDPR استعراض الديمو التقني.
وهنا الأستديو لا يرغب بوجود فجوة كبيرة من حيث جودة الرسومات بين الأجهزة المنزلية والحواسب كما حصل مع لعبة Cyberpunk 2077 كما ذكرنا قبل قليل، وهي لعبة صارت كأنها ذات توجه فني مختلف على الحاسب، وهذا من كمية التغيير الكبير والجودة التي تتمتع بها في الإعدادات العالية، لكن لا يعني هذا أن الحواسب القوية ستكون بنفس مستوى الأجهزة المنزلية، فبطبيعة الحال سيتمتع مستخدم الحاسب القوي بميزات إضافية مثل دقة الصورة العالية، أو برفع الإعدادات البصرية لمستويات أعلى، أو تطبيق تتبع الأشعة على أجزاء أخرى من الصورة مثل الانعكاسات، وربما حتى تضمين تقنية تتبع المسار (Path Tracing) كما في Cyberpunk 2077، ستكون الأفضلية موجودة ولكنها مشابهة من الناحية الفنية. وأكد الأستديو أيضا أنه يهتم بشكل كبير بنسخة الحاسب، فهم وإن جعلوا PS5 الأساس في هذه اللعبة، لكن CD Projekt شركة تأسست على ألعاب الـ PC، ولهذا سيعتنوا بنسخة الحاسب من حيث المظهر والأداء، وقال الأستديو أيضا أنه يرغب أن يتمكن اللاعب الذي دفع مبالغ طائلة على جهازه من تشغيل اللعبة بجودة بصرية وأدائية ممتازة تليق بالجهاز الذي استثمر فيه، لكن من المبكر تحديد المزايا التي سيستفيدها لاعبو الحاسب بالتفصيل، لكوننا في مرحلة مبكرة من التطوير الآن، لكن الأستديو سيبذل جهده في هذا الجانب.
كلنا رأينا كيف يتمتع الديمو التقني بكمية هائلة من التفاصيل، سواء في الأشجار أو الأعشاب وغيرهم من الأغطية النباتية الكثيفة، إضافة إلى خامات الصخور والأخشاب والتفصيلات المتناثرة هنا وهناك، الأستديو صرح بأنه يرغب في اللعبة الكاملة بتضمين مستوى تفاصيل قريب من هذا القدر، وسيستخدم نفس الأدوات التي استعان بها في هذا الاستعراض التقني، شاملًا تقنية Nanite التي صارت منطبقة على جميع الخامات، وتشمل الأغطية النباتية الآن ولأول مرة.
لكن الأستديو كان يشك في بداية عملهم على اللعبة بأن تحقيق هذه النتيجة أمر مستحيل عمليًّا، خاصة أن هذه الأشجار والأجسام تتحرك مع حركة الرياح زيادة على كمية التفاصيل التي تحتويها، ولا ننسى طبعًا أنها كلها تعمل مع تتبع الأشعة للإضاءة العامة، والسبب هو إمكانية إدارة هذه الأجسام بشكل ذكي على المسافات البعيدة، وهي تشمل تحوّلها مع مسافة معينة إلى voxels، هذا المسمى عبارة عن مزيج بين Volumetric و Pixel، وهي أجسام مثل البكسلات ولكنها مكعبات ثلاثية الأبعاد وليست مربعات مثل البكسلات، وهنا في حالة The Witcher 4 ستكون على المسافة البعيدة بحجم البكسل الواحد، وهذا يجعل الأداء أفضل مع تقديم جودة بصرية مرضية، وبنفس الطريقة تعمل ظلال Virtual Shadow Maps التي تخص UE5، وستتحول إلى voxels بحجم البكسل الواحد على حسب مسافة اللاعب لتحسين أدائها.
معدل إطارات مستقر وتجربة سلسة
كلنا رأينا كيف كان أداء الديمو التقني على PS5 مستقرًّا، ولم نجد أي هبوط فيه تقريبًا رغم انبهارنا من محتواه، وهنا أكد الأستديو انه يطمح لتقديم انسيابية جيدة في توقيت الإطارات (frame time)، وهذه مشكلة عانت منها كثير من ألعاب Unreal Engine 5 منذ إصداره، بل وحتى كمية كبيرة من ألعاب UE4، وهنا يطمئن الأستديو اللاعبين بأن هدفه هو تقديم تجربة سلسة، وهذا بنظر الأستديو لكل التفاصيل التي يعالجها مسار المعالج الرئيسي، وهذا ليتأكد أنه لا توجد أي عمليات لا داعي لها لعدم هدر موارد المعالج، وكي لا تتسبب بهبوط مفاجئ للإطارات بشكل يسبب التقطيع (stutter)، ويمكن أيضا توزيع العمليات لأدائها على مسارات مختلفة بالشكل الذي يجده الأستديو مناسبًا لتحقيق أقصى أداء ممكن والتخلص من المشكلات المتوقعة، والأستديو درَس وحلَّل كيفية تعامل UE5 إجمالًا مع مسارات المعالج، وكيف يدير موارد المعالجات إجمالًا، والتحسين عليه لتحقيق أقصى استفادة وأداء ممكن.
وهذا جانب كان يحسن عليه الأستديو في ألعابه السابقة، فإدارة Cyberpunk 2077 لموارد المعالج ليست مثل The Witcher 3، وكانت تتطلب عملًا أكبر على جانب المحرك، وهنا مرة أخرى اختلف الوضع مع الانتقال إلى UE5 ثم تمكن الأستديو بالتعاون مع Epic من تحقيق شيء يفخرون به.
التفاصيل التي عرفناها حتى الآن جميلة، لكن يوجد جهاز لم نتطرق إليه حتى الآن وهو ضمن أجهزة الجيل الحالي، وأنا أقصد Xbox Series S الاقتصادي. وكما تعلمون فهو جهاز بمعالج رسومي أضعف بشكل معتبر، وحجم الذاكرة فيه 10GB بدلًا من أخويه PS5 و Xbox SeriesX اللذان يتمتعان بحجم 16GB، وهذا بالطبع يجعل الجهاز غير قادر على تقديم تجربة مماثلة لأخويه، ولهذا سُئل الأستديو عن كيف سيتعامل مع هذا الجهاز؟
وكانت الإجابة أن الأستديو لم يبدأ العمل حتى الآن على نسخة تخص Xbox Series S، لكنهم ذكروا أن تحقيق 60 إطار على هذا الجهاز سيكون "تحديًا صعبًا"، لكن يخطط الأستديو للعمل على ابتكار حلول لتقديم التقنيات الخارقة التي يطمح إليها بجهاز Xbox Series S.
ختام
هنا تنتهي أهم التفاصيل التي كشف عنها أستديو CDPR في مقابلته مع فريق Digital Foundry والتي تبشر مبدئيًّا بأننا مقبلين على نتيجة جيدة، لكن يشار إلى أن كل ما سبق هو "طموح" الأستديو ويمثل الديمو التقني قبل اللعبة النهائية، ولهذا أكد الأستديو بأنه ليس عنده أي وعود نهائية، والوقت مبكر على الحديث بشكل قطعي عن اللعبة الكاملة وما ستحتويه من تقنيات، لكن الأستديو يبذل جهده الآن في العمل على الجزء القادم من ملحمة The Witcher المحبوبة، والتي لا شك بأن أستديو CDPR يرغب تقديمها بأفضل ما يمكن.
شكرا لكم على القراءة، نلقاكم في مقال آخر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.